مؤثرين و رائدات أعمال

السيدة خديجة بنت خويلد: أم المؤمنين وضياء البدايات

السيدة خديجة بنت خويلد: أم المؤمنين وضياء البدايات

الطفولة والنشأة

ولدت خديجة في بيتٍ كريم، وعُرفت منذ صغرها بـ”الطاهرة”، لما تحمله من نقاء القلب وصفاء السيرة. ورغم أنها نشأت في بيئةٍ تجارية يغلب عليها الطمع والربح، فإنها تميزت بالحكمة والصدق، فأدارت تجارتها بشرفٍ جعلها مقصد كبار تجار مكة.

ريادة في التجارة

كانت خديجة من أوائل النساء اللواتي أدرن أعمالهن بشكل مستقل. أرسلت قوافلها إلى الشام واليمن، واختارت بعناية من يتولى مهمات السفر. وعندما بلغها عن شاب اسمه محمد بن عبد الله ﷺ يُعرف بالأمانة والصدق، قررت أن تجربه، فكان اختياره نقطة تحول في حياتها.

قصة الزواج المبارك

حين عاد محمد ﷺ من رحلته التجارية ومعه غلامها “ميسرة”، روى لها عن أمانته وخلقه، وأن سحابة كانت تظلله في الطريق. أعجبت بصفاته، ووجدت في قلبها يقينًا بأنه مختلف عن رجال قريش. تقدمت هي بخطوة شجاعة وأرسلت إليه تخطب يده، وهو ما كان نادرًا في ذلك الزمان. وكان الزواج بداية حكاية ملؤها الحب والدعم المتبادل.

مواقف خالدة مع بداية الدعوة

  1. لحظة نزول الوحي:
    عندما عاد النبي ﷺ من غار حراء مرتجفًا وهو يقول: “زملوني زملوني”، كانت خديجة الحضن الأول والأمان الأصدق. قالت له كلمات خلدها التاريخ:

    “كلا والله ما يخزيك الله أبدًا؛ إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقرِي الضيف، وتعين على نوائب الحق”.
    بهذا اليقين الثابت، زرعت في قلبه الطمأنينة ودفعت عنه الخوف.

  2. الذهاب إلى ورقة بن نوفل:
    لم تكتفِ بالكلام، بل أخذت بيده إلى ابن عمها ورقة بن نوفل، العارف بكتب أهل الكتاب، ليتأكد مما رأى، فكانت بذلك أول من يسند الرسالة بخطوات عملية.

  3. الإنفاق في سبيل الدعوة:
    لم تتردد في أن تضع كل ما تملك من مال في خدمة الإسلام الناشئ. كانت تجارتها سندًا للمسلمين الأوائل، وخاصة في حصار الشعب، حيث عاشت مع النبي ﷺ والجماعة المؤمنة ثلاث سنوات من الجوع والحرمان، صابرة محتسبة.

  4. الصبر في الشدائد:
    تحملت أذى قريش وحرمانهم، لكنها لم تتراجع ولم تتذمر. كانت تقف بجانبه ليلًا ونهارًا، تواسيه وتخفف عنه، وتؤكد أن ما يحمله ليس عبثًا بل نورًا للعالمين.

مكانتها في قلب النبي ﷺ

لم ينسَ النبي ﷺ فضلها يومًا، وظل يذكرها بعد وفاتها بوفاء نادر. كان يقول: “إنها كانت وكانت… ورُزقت منها الولد”، وكانت ذكراها حاضرة حتى أثارت غيرة بعض زوجاته لاحقًا. وكان يذبح الشاة ويقول: “أرسلوا بها إلى صويحبات خديجة”، إكرامًا لذكراها.

إرث خالد

خديجة ليست مجرد اسم، بل هي أمّ المؤمنين وأم الدعوة. قدّمت نموذجًا للمرأة المؤمنة التي تجمع بين قوة العقل ودفء القلب. كانت سندًا في لحظة لم يكن فيها أحد، فاستحقت أن تبقى ذكراها حيّة في كل بيت مسلم.

الخاتمة

السيدة خديجة هي المرأة التي آمنت حين كفر الناس، وصدّقت حين كذّبوا، وأعطت حين بخلوا. قصتها تقول لكل امرأة اليوم: إن دورك قد يصنع تاريخًا، وإن لحظة دعم منك قد تغيّر مسار أمة بأكملها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *