دعاء الشيخ
دعاء… «شبابيك» التي تروي حكاياتٍ من القلب إلى القلب
في خضم الوجع والفراغ، ولدت لدى كثيرين رغبةٌ في أن يحولوا ألمهم إلى عمل ينفع غيرهم. هكذا كانت قصة دعاء؛ سيدة سورية جاءت إلى تركيا بعد عام ونصف من اندلاع الحرب، فتحت لنفسها نافذة تُسمى «شبابيك — لكل شباك حكاية»، لتجعل من كل فعالية رواية حياة، ومن كل زينة دعوة للاحتفاء بالناس وقصصهم.
فقدانٌ أشعل شرارة العمل
يوم رحل والدها تغيّرت ملامح حياة دعاء. لم تكن الخسارة مجرد غياب؛ بل فراغًا اضطرها لأن تقبل المسؤولية، وتعمل لتؤمّن حضانة طفلين تحتاجان إلى رعاية ومحبة. من هذا الفراغ، خطرت لها فكرة تُعبّر عن الناس الذين تقابلهم: جمعهم، الاستماع إليهم، وإعطاء مساحة لكل قصة — هكذا وُلدت سلسلة الفعاليات التي تروي قصص نساءٍ أصبحن قدوة بطرقهن الخاصة.
«بعد وفاة والدي… اضطرّيت أتحمّل، أطلع، أشتغل — وكان لازم ألّف بين مسؤوليتي كأم وبين رغبتي أن أخلق شيئًا يفيد الناس.»
أول لقاء… ومنصة لقصص نجاح
أما البذرة الأولى فكانت «فعالية» جمعت سيدات إسطنبول ليتعرفن على مشاريع بعضهن، ويتبادلن الخبرات والقصص. كانت تلك الليلة نقطة الانطلاق: تجربة صغيرة تحوّلت إلى سلسلة منتظمة تجمع محبّي التصميم والديكور والنجاح النسائي.
لم تكتف دعاء بتنظيم اللقاءات؛ بل جعلت الديكور وسيلة سرد — كل تفصيلة في المكان تحكي جزءًا من الحكاية. ومن استقبال الحضور إلى ترتيب الطاولات، تصنع من الحدث مسرحًا صغيرًا للحكايات التي تستحق أن تُسمع.
النقد كان بداية التعلّم لا نهاية له
لم تكن الطريق مفروشة بالتصفيق. في البداية قابلت دعاء كثيرًا من الشكوك: أصوات حولها تقول إنها لن تنجح، أو أن الفكرة «ما راح تظبط». لكنها لم تسمح لهذه الأصوات أن تطفئ حماسها.
«نجاح أول فعالية كان بالنسبة إلي وقود. أخذت النقد، صلحت، طورت، ورجعت كل مرة بأفضل مما قبله.»
التطوير المستمر في الفكرة والديكور والترتيب والاهتمام بالقصة نفسها جعل من «شبابيك» منصة تتطور وتكسب احترام المجتمع.
لحظة لم تنسَها: فخر الطفلة على المسرح
من بين لحظات كثيرة تفيض بالفرح، تختار دعاء لحظة ابنتها على المايكروفون تقول: “أنا فخورة فيكي، ماما” — كلمات صغيرة لكنها كانت أكبر من أي جائزَة؛ دافعٌ استمرّت به إلى الأمام.
«لما بنتي قالتها، حسّيت إن كل تعب صار له معنى. مش بس لأن الناس حبّوا شغلي، لكن لأن مرأتي شافتني عم أترك أثرًا حلوًا في ناس حواليا.»
حلفاء الطريق: عائلة وصديقة باتت أختًا
لا يكتمل النجاح إلا بمن يشاركك الإيمان بالمشروع. هنا، تُسجل دعاء الشكر لأولئك الذين آمنوا بها: زوجها الذي كان الظهر والداعم، أخواتها وحضورهم الذي أعطاها ثقة، وصديقة لم تكن مجرد رفيقة — بل أخت بكل معنى الكلمة، منحتها التشجيع العملي والكلمة التي أطلقت المشروع إلى النور.
«هي مو بس رفيقة… بعيونها بشوف فرحتها بإنجازاتي. أول واحدة قالتلي: براڤووو اعملي، وأنا معك.»
نصيحتها للنساء اللاتي يردن أن يبدأن
تحصر دعاء نصيحتها في فعل عملي وحاسم:
«سكّري دِرَجِكِ وامشي واتوكّلي على الله. ولا تسمعي لأي كلام سلبي.»
رسالة قصيرة لكنها حازمة: ابدئي الآن، لا تدعي الخوف أو آراء الآخرين يوقفانك.
مستقبل «شبابيك» ورؤيتها الكبيرة
دعاء لا ترى مشروعها مجرد سلسلة فعاليات؛ بل تطمح لأن يكون اسمًا معروفًا في سورية وهنا، شركةً متخصصة بتنظيم الأفراح والمناسبات وتنسيق اللقاءات التي تجمع الأحبّة. تريد أن تحوّل كل حدث إلى «ملتقى» يعيد للناس بهجتهم ويترك أثرًا طيّبًا في قلوبهم.
خاتمة: بصمةٌ تبقى بعد الرحيل
تلخص دعاء حكايتها بعبارة تكاد تكون وصيتها للحياة:
“اتركي بصمة أثر طيب بقلوب الناس تذكرك فيه بعد رحيلك.”
وتختم بنصيحةٍ أعمق عن أن تعيشي كما تحبين، لا كما يُحب الآخرون لك أن تكوني؛ لأن في اللحظات الصعبة لن يبقى إلى جانبك سوى نفسك ورضاك وقِناعتك أمام خالقك. السعادة، في نظرها، تبدأ من الرضا — ومن هناك تُولد القدرة على الاستمرار وبناء أثر يدوم.