رزان زيتونة: صوت الحق المختفي في زحمة الصمت

رزان زيتونة: صوت الحق المختفي في زحمة الصمت
“لا شيء أشدّ وحشة من الحقيقة التي لا تجد من يسمعها.” — يمكن أن تصوغ هذه الكلمات كلماتٍ من رزان نفسها، عن مؤمنٍ بأن صوت الضحية يجب أن يُسمع، حتى لو كان الثمن أن تختفي هي نفسها.
من هي رزان زيتونة؟
رزان زيتونة، ولدت في 29 أبريل 1977، هي ناشطة سورية، محامية في حقوق الإنسان، وكاتبة مدوّنة دفاعاً عن الحقوق المدنية والسياسية. منذ مطلع الألفينات، كانت رزان من أول الذين صدحوا براديو الحقيقة: توثيق انتهاكات السجون، معالجة قضايا المعتقلين السياسيين، وكشف ما يقع خلف الأبواب المغلقة.
المسار المهني والنشاط
-
الدفاع عن المعتقلين السياسيين: منذ عام 2001، أصبحت رزان جزءاً من فريق المحامين الذي يدافع عن المعتقلين السياسيين في سوريا.
-
منظمات التوثيق:
• أسست SHRIL (Syrian Human Rights Information Link) عام 2005، لتكون أول منصة سورية عامة لتوثيق الانتهاكات.
• شاركت في تأسيس لجنة التنسيق المحلية (Local Coordination Committees) التي تنسّق بين ناشطي حقوق الإنسان في المدن والبلدات السورية لتوثيق الانتهاكات ونقل ما يجري للعالم الخارجي.
• أسّست مع آخرين مركز توثيق الانتهاكات (Violations Documentation Center)، والذي يُعد من المصادر الأساسية التي تُحصي الضحايا، المختفين، المعتقلين، والمتضرّرين من النزاع.
اللحظة الحاسمة: الاختفاء
في 9 ديسمبر 2013، بينما كانت الأعمال مستمرة في مكتب مركز توثيق الانتهاكات في مدينة دوما (ريف دمشق)، قُتل بخاطفي مسلّحين مكتب المركز وخُطفت رزان مع زوجها وائل الحمادة واثنين من زملائها: سميرة خليل وناظم حمّادي. منذ تلك اللحظة، لا يُعرف شيئٌ مؤكد عن مصيرهم أو المكان الذي قد يكونون فيه.
التحديات والتهديدات التي واجهتها
رزان لم تواجه فقط خطر الاعتقال الرسمي، بل كانت تُهدّد من جهات متعددة:
-
من النظام السوري: تم اتهامها بأنّها “عميلة أجنبية”، ومُنعت من السفر في بعض الفترات.
-
من بعض الفصائل المسلحة: الاتهامات والتلميحات، الالتباس حول اختطافها ومن قام به، وغياب الشفافية حتى من الجهات المعارضة.
التكريم والاعتراف الدولي
رغم غيابها، ظلّت رزان ركيزة في الساحة الحقوقية الدولية:
-
جائزة ساخاروف لحرية الفكر عام 2011.
-
جائزة Anna Politkovskaya لنفس العام.
-
تم ترشيحها لجائزة مارتن إينالس للدفاع عن حقوق الإنسان عام 2016. Martin Ennals Award
-
حصلت على لقب “Trailblazer Global” من Vital Voices، تقديراً لقيادتها وشجاعتها. Vital Voices
غياب الحقيقة والبحث عنها
مرّت أكثر من عقد من الزمن على اختفائها، ولا تزال الحقيقة مُجهولة:
-
لا يوجد تأكيد رسمي عن الجهة التي خطفتها،
-
لا دلائل موثّقة تُثبت إن كانت لا تزال على قيد الحياة أو متوفاة.
-
مطالبات مستمرة من منظمات حقوق الإنسان، نشطاء، وأسرها للكشف عن مصيرها ومحاسبة المسؤولين.
لماذا تظل رزان زيتونة مؤثرة حتى اليوم؟
-
رمز الصمود والالتزام: رغم التهديدات، لم تتراجع عن توثيق الحقيقة، ولم تلتزم الصمت.
-
الإيمان بالقوة الجماعية: عملت على بناء شبكات، مراكز توثيق، تعاون بين ناشطين، وهي لم تبحث عن منصب أو شهرة، بل عن عدالة وشفافية.
-
ترك إرث للعدالة والتوثيق: ما قامت به رزان من توثيق أسماء المختفين، المعتقلين، الضحايا، أصبح مرجعاً لا يمكن تجاوزه في دراسات حقوق الإنسان، في تقارير المنظمات الدولية، في الإعلام… رأساً في سرد الحقيقة.
الأفق المفتوح: ماذا يُمكن أن يكون بعد؟
-
ضرورة تحقيق دولي مستقل لكشف مصير رزان وزملائها، ومحاسبة من يشتبه في تورطهم.
-
توثيق وتجمّع شهادات جديدة من شهود أو معلومات قد تلوح على السطح مع تغير موازين السلطة في سوريا.
-
تعزيز الوعي العالمي بقضايا الاختفاء القسري، ليس فقط كرزان إنما لكل مختفٍ في سوريا، لخلق ضغط مستمر على الجهات التي قد تكون لديها معلومات.
خاتمة
رزان زيتونة ليست مجرد اسم في سجلّ “المفقودين في سوريا”، بل هي المثال الحي على كمّ المعاناة التي تخفيها الحرب، وكمّ المسؤوليات التي يُمكن أن يتحمّلها إنسانٌ واحد حين يؤمن بأن الحقيقة لا تموت، وأن الغياب لا يُنهي القضية.
في كل مرة يُذكر فيها اسمها، يُعاد فتح أبواب الأسئلة: من يعرف ماذا؟ من يستطيع كشف الحقيقة؟ ومتى يُعاد صوت من خطفتهم الحرب والقوى الأمنية والفصائل؟
إذا كنا نحبّ أن نحتفي بالمؤثرين الحقيقيين، فلتكن رزان زيتونة واحدة من أولئك الذين لا يُحتفى بهم لوجودهم، بل أيضاً لغيابهم الذي يُطالب بالحقيقة