سهير الأتاسي: صوت المرأة السورية في زمن الثورة
سهير الأتاسي: صوت المرأة السورية في زمن الثورة
مقدمة
في زمنٍ حاول فيه النظام السوري كتم أنفاس الحرية، برزت سهير الأتاسي كواحدة من أبرز الأصوات النسائية التي رفعت شعار الكرامة والعدالة. لم تكن مجرد ناشطة، بل رمزًا سياسيًا ومدنيًا حملت على عاتقها مسؤولية إيصال مطالب السوريين إلى الداخل والخارج.
النشأة والخلفية
وُلدت سهير الأتاسي في دمشق عام 1971 لعائلة دمشقية معروفة بالثقافة والانفتاح. والدها جمال الأتاسي كان من الشخصيات القومية البارزة، وقد ورثت عنه حب الفكر والعمل العام، فشبّت على قيم الحرية والتغيير. درست الأدب الفرنسي في جامعة دمشق، ثم انخرطت في العمل المدني والسياسي مبكرًا.
النشاط قبل الثورة
قبل عام 2011، كانت سهير الأتاسي من أبرز الوجوه النسائية المشاركة في “ربيع دمشق”، وهو الحراك الثقافي والسياسي الذي انطلق مطلع الألفية للمطالبة بالإصلاح. ساهمت في تأسيس منتدى جمال الأتاسي للحوار الديمقراطي، الذي كان منبرًا للنقاش بين التيارات الفكرية والسياسية، قبل أن يُغلق بالقوة وتُمنع من النشاط.
مع انطلاق الثورة السورية
مع اندلاع الثورة في مارس 2011، انضمت سهير الأتاسي سريعًا إلى الحراك الشعبي. ظهرت في المظاهرات السلمية بدمشق، وكانت من أوائل النساء اللواتي تصدّرن المشهد. لم تكن فقط متظاهرة، بل ناشطة سياسية عملت على بناء جسور بين الحراك المدني في الداخل والمعارضة السياسية في الخارج.
الاعتقالات والملاحقة
دفعت سهير الأتاسي ثمن مواقفها بوضوح؛ إذ تعرضت للاعتقال والتهديد أكثر من مرة. لكنها اختارت الاستمرار في نشاطها رغم المخاطر، وظلت متواجدة في قلب الحراك حتى اضطرت لمغادرة سوريا لاحقًا تحت وطأة الملاحقة الأمنية.
الدور السياسي
برز دور سهير الأتاسي في المحافل الدولية بعد خروجها من سوريا. شاركت في تأسيس المجلس الوطني السوري عام 2011، ولاحقًا في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، حيث تولّت منصب نائب رئيس الائتلاف، وكانت من الوجوه النسائية النادرة في موقع قيادي على هذا المستوى.
عملت على الدفاع عن مطالب الشعب السوري أمام المجتمع الدولي، وسعت لتوحيد صفوف المعارضة رغم الانقسامات الكبيرة.
مواقفها الفكرية
تؤمن سهير الأتاسي بالديمقراطية وحقوق الإنسان، وركّزت على دور المرأة السورية في الثورة والعمل العام. رفضت فكرة اختزال الثورة في السلاح، وأكدت أن جوهرها هو الحرية والكرامة والعدالة. كما دعت دائمًا إلى الحفاظ على الطابع المدني للثورة، وإلى بناء دولة قانون تحتضن جميع مواطنيها دون تمييز.
التحديات والانتقادات
رغم مكانتها البارزة، واجهت سهير الأتاسي انتقادات، سواء من بعض أطراف المعارضة الذين رأوا مواقفها ليّنة في بعض الملفات، أو من ناشطين اعتبروا أن المعارضة السياسية لم تحقق إنجازات ملموسة. لكنها بقيت ثابتة على قناعتها أن الثورة مسار طويل ومعقد، وأن التاريخ وحده سيحكم على الجهود المبذولة.
إرثها وأثرها
اليوم، تُعتبر سهير الأتاسي من أبرز الوجوه النسائية السورية التي أثبتت أن المرأة قادرة على القيادة في أصعب الظروف. تمثل رمزًا للشجاعة السياسية والفكرية، وصوتًا يذكّر العالم بأن الثورة السورية لم تكن مجرد صراع مسلح، بل كانت صرخة شعب بأكمله من أجل الكرامة.
خاتمة
إن الحديث عن سهير الأتاسي هو حديث عن المرأة التي رفضت الصمت، وقادت بالكلمة والفعل، وحملت قضايا السوريين إلى العالم أجمع. ستبقى جزءًا من تاريخ الثورة السورية، وشاهدة على دور النساء في صناعة التغيير، مهما كانت التحديات والعثرات.