مؤثرين و رائدات أعمال

مريم الإسطرلابية: سيدة الفلك والمهندسة التي قرأت لغة السماء

مريم الإسطرلابية: سيدة الفلك والمهندسة التي قرأت لغة السماء

بدايات في بيت العلم

في مدينة حلب في القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي)، وُلدت مريم بنت محمد العجلي، التي اشتهرت لاحقًا بـ مريم الإسطرلابية. نشأت في بيت علم وثقافة، حيث كان والدها مهندسًا بارعًا في صناعة الآلات الفلكية، ومنها الأسطرلاب. لم تكن مريم فتاة عادية، فقد ورثت شغف والدها بالنجوم والرياضيات، ووجدت في الأرقام والدوائر الفلكية عالمًا ساحرًا.

ماذا يعني الأسطرلاب؟

الأسطرلاب هو أداة هندسية فلكية دقيقة، كانت تستخدم لتحديد:

  • مواقع النجوم والكواكب.

  • أوقات الصلاة.

  • اتجاه القبلة.

  • قياس الوقت بالليل والنهار.

هذا الجهاز كان بمثابة “حاسوب فلكي” في عصرها. ومريم لم تكتفِ بتعلّم صناعته، بل طورت تصميمه، وأضافت له تحسينات جعلته أكثر دقة وفاعلية.

عقل يسبق زمانه

في مجتمعٍ كان يندر فيه أن تبرز النساء في العلوم التطبيقية، كسرت مريم الحواجز. لم ترَ في نفسها مجرد ابنة لعالم، بل عالمة مستقلة. اشتغلت على تطوير الأسطرلاب حتى صار الناس يطلبون آلاتها في بلاد الشام وخارجها. لقد جمعت بين الهندسة العملية والفكر الفلكي، وهذا ما جعلها رائدة بين نساء عصرها.

أثرها في حضارة الإسلام

مريم الإسطرلابية لم تعمل في معزل عن مجتمعها، بل كان لها دور في الحياة العلمية لمدينتها. استفاد منها العلماء، واعتمد الحكام على إنجازاتها في معرفة المواعيد الدقيقة للمعارك أو الحملات، وحتى في الملاحة عبر البحر.

ولأن الأندلس والشام كانتا مركزين للحضارة الإسلامية، انتقل أثرها إلى أوروبا لاحقًا، حيث تُرجمت أعمال العلماء المسلمين في الفلك، ومن بينهم إسهاماتها في تطوير الأسطرلاب.

امرأة صنعت مجدها بعلمها

ما يميز مريم أنها لم تكن زوجة حاكم أو أميرة لتخلّدها السلطة، بل كانت عالمة ومهندسة شقّت طريقها بجهدها. تركت بصمة عملية في العلم، وأثبتت أن المرأة المسلمة قادرة أن تبرع في أدق العلوم، وأن تتعامل مع الأرقام والمعادلات كما تتعامل مع الشعر والأدب.

رمزٌ خالد

حتى اليوم، يذكر اسمها في تاريخ الفلك والهندسة الإسلامية. ويُقال إن تحسيناتها للأسطرلاب ظلت تُدرَّس لقرون بعد رحيلها. لقد منحتنا درسًا أن العلم لا جنس له، وأن العقل حين يشتعل بالفضول لا يوقفه شيء.

الخاتمة

مريم الإسطرلابية هي صوت العلم في وجه التقاليد، ونجمة أضاءت سماء الحضارة الإسلامية. صنعت من الحديد والخشب أداة لقراءة النجوم، وصنعت من شغفها وإيمانها وسيلة لخلود اسمها. قصتها تقول لكل امرأة: بالعلم تُكتب الأسماء، وبالفضول والشغف تُصنع الحضارة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *