هناء الفرا
هناء الفرا… من دموع الوسادة إلى أيقونة عربية في الصحة
في كل قصة إنسانية لحظة مفصلية تغيّر مجرى الحياة، وتحوّل الألم إلى نقطة انطلاق. قصة هناء الفرا، الشابة الغزّية، لم تبدأ بالشهرة ولا بالنجاح، بل بدموعٍ انهمرت على وسادتها ذات ليلة، قبل أن تتحول إلى مصدر إلهام لآلاف النساء في غزة والعالم العربي.
طفولة مثقلة بالوزن والتنمر
منذ سنواتها الأولى، عرفت هناء معنى الصراع مع السمنة. طفلة في الصف الرابع الابتدائي تحمل ثمانين كيلوغرامًا فوق كتفيها، ثم يزيد الميزان إلى التسعين في المراحل الإعدادية والثانوية.
لم تكن المعاناة مع الأرقام فقط، بل مع النظرات والكلمات الجارحة. تروي هناء موقفًا لا يُنسى: “مرة كنت راجعة من المدرسة، سمعت مجموعة شباب يضحكوا ويقولوا: نفسي أشوف الميزان!”. كانت تلك الجملة وحدها كفيلة بأن تحفر جرحًا عميقًا في نفسها.
لحظة الانكسار… وثوب الصلاة
مرت السنوات، وتزوجت هناء، لكن الوزن لم يتركها. بعد إنجابها الأول، وجدت نفسها أمام المرآة عاجزة حتى عن ارتداء أوسع ثيابها. تفتح الخزانة، فلا شيء يناسبها. لم تجد أمامها سوى ثوب الصلاة لتغطي به جسدها في جمعة عائلية كبيرة.
تحكي هناء: “دخلت بينهم وأنا لابسة الثوب، والكل في أجمل لبس. ما حدا حكى شيء، لكن كنت شايفة العيون كلها بتحكي. حسيت بصدمة كبيرة، وقلت لنفسي: لازم أغير حياتي.”
كانت تلك اللحظة القاسية بداية التحول.
أول بث مباشر… طلب للمساعدة
في صباح اليوم التالي، أمسكت هاتفها وفتحت حسابها الصغير على إنستغرام، حيث لم يكن يتابعها سوى صديقاتها وبعض قريباتها. كتبت رسالة صادقة:
“يا جماعة أنا بدي أضعف، بحياة الله تساعدوني… عزيمتي ضعيفة، وأنا محتاجة دعمكم.”
بدأت صديقاتها يسألنها يوميًا: “شو أكلتِ اليوم؟ كم وزنك؟” وتحوّل ذلك التفاعل البسيط إلى شبكة دعم غير متوقعة.
من جروب واتساب إلى منصة عامة
سرعان ما تطور الأمر، فاقترح البعض إنشاء جروب على الواتساب لتشجيع بعضهم البعض. ومع مرور الوقت، بدأت الصفحة على إنستغرام تجذب متابعين جدد، وتحوّل الحساب الخاص إلى نافذة عامة ملأى بالقصص والتجارب.
تقول هناء: “في البداية كان في ناس يضحكوا أو يحكوا تعليقات جارحة. بس مع الوقت نفس الناس صاروا يسألوني: ليش ما تلبسي أحلى؟ ليش ما تهتمي بحالك أكتر؟”
بين التجربة والعلم
لم تكتفِ هناء بالاعتماد على تجربتها الشخصية. قررت أن توسع معرفتها العلمية، درست السعرات الحرارية، قرأت ما يكتبه الأطباء، التحقت بدورات تغذية، ودمجت كل ذلك مع خبرتها الواقعية.
بهذا المزيج، صارت تقدم محتوى يوازن بين العلم والتجربة، يجذب النساء الباحثات عن خطوات عملية لا وعود نظرية.
نجاح يتخطى التوقعات
الرحلة لم تكن قصيرة، لكنها كانت مثمرة. تخلصت هناء من أكثر من ثلاثين كيلوغرامًا، لتصل إلى وزنٍ صحي في منتصف السبعينات. والأهم من ذلك، أنها حصدت ثقة أكثر من 200 ألف متابع على إنستغرام خلال ثلاث سنوات فقط.
صفحتها تحولت إلى مرجع يومي لمن يبحث عن بداية جديدة، وأطلقت تطبيقًا لحساب السعرات الحرارية ساعد الآلاف على تنظيم حياتهم الصحية.
نحو أفق أوسع
لم يتوقف طموح هناء عند حدود غزة. انتقلت مع زوجها وأبنائها إلى تركيا، حاملة معها رسالتها وتجربتها. وهناك واصلت توسيع نشاطها، لتصبح اسمًا يتردد في العالم العربي كله، لا بين محيطها الصغير فقط.
أيقونة ملهمة
اليوم، لم تعد هناء مجرد شابة حاربت السمنة، بل أصبحت رمزًا للإرادة والتغيير. قصتها تقول ببساطة:
“السمنة مقبرة الجمال، لكن الإرادة تبعث الحياة من جديد.”
رسالتها لكل من يتابعها واضحة: البداية قد تكون مؤلمة، لكن الاستمرارية تصنع المعجزات.
هناء الفرا… دموعها صنعت قصة، وصبرها صنع نجاحًا، ورسالتها تصنع اليوم مستقبلًا أفضل لآلاف النساء.